الورقة التأطيرية للندوة
أثيرت في الفترة الأخيرة في المشهد الإعلامي التونسي موضوع إمكانية تمكين من كان قد التحق، بطرق غير معلومة، بمناطق القتال في المنطقة العربية من الدخول للبلاد مرة أخرى بعد أن قاربت "حروب خطوط الصدع" من الانتهاء أو بعد أن شارفت على استنفاذ الأغراض التى برمجت لها. ولقد تقدمت بهذا المطلب بشكل غير رسمي جهات ومؤسسات دولية خارجية ومنظمات حقوقية وجمعيات وأحزاب داخلية.
ورطة التسمية
لقد كانت التسمية التي يمكن إطلاقها حول هؤلاء أول الاحراجات المطروحة وما تثيره من شبهات تبييض الإرهاب ومخاوف تهيئة الظروف لإعادة إنتاج أشكال من التوتر والنزاعات التي تهدد السلم والاستقرار.
لذلك وجد الدارسون أنفسهم أمام عدة خيارات : المقاتلون والإرهابيون المتطرفون والمجاهدون الثوار…
يمكن الحديث من ناحية أكثر عمومية عن مضللين من الفئات الشابة التي وقع التغرير بهم وتسفريهم بعد استقطابهم وشراء ذممهم بالمال وغسل عقولهم والتلاعب بعواطفهم الدينية واستغلال مشاعرهم الإنسانية وتجنيدهم من طرف التنظيمات التكفيرية التي قامت بتسليح الحراك الاحتجاجي المدني ومقاتلة الأنظمة.
على خلاف ذلك يجوز الحديث عن فئة ملتحقة بالجبهات المشتعلة عن وعي واقتناع بعد تروي ومداولة وذلك من أجل المشاركة في قضية شرعية حسب وجهة نظرهم من أجل الوقوف في وجه الظلم والاستبداد.
تاريخية المشكلة
إن عودة بعض المشاركين في نزاعات وحروب وميادين القتال في الخارج إلى دولهم الأصلية ليست جديدة وإنما طرحت مع انتهاء حرب المقاتلين ضد الشيوعية في أفغانستان وعانت منها مصر والجزائر واليمن والسودان وليبيا وبدرجة أقل عانت تونس من مشكل الأفغانيين العرب بانتهاج الحل الاستئصالي.
بعد ذلك ظهرت قضية العائدين من البوسنة والهرسك وكوسوفو وبلاد البلقان بعد تفكك أوروبا الشرقية وانهيار الاتحاد اليوغسلافي ومشاركة العرب في حروب استقلال الأقليات المسلمة وتقرير مصيرهم.
غير أن الرافد الذي ينحدر منه المشاركون في النزاعات الدولية لم يقتصر على التيار الإسلامي فقد أرسل التيار القومي من جهة والتيار اليساري العديد من المناضلين إلى الجبهة دفاعا عن عروبة لبنان على اثر اجتياح الكيان المحتل لبيروت سنة 1982 وأثناء حرب الخليج ضد العراق1991-2003، ومن المعلوم أنه قد سبق لفيالق المجاهدين من عدة دول عربية أن التحقت بفلسطين لقتال الغاصبين منذ 1948.
كل هؤلاء شاركوا وانضموا إلى صفوف القوى المتحاربة وبعد ذلك عادوا بشكل هادئ إلى بلدانهم التي هاجروا منها ولم تثر مشكلة استرجاعهم قضية خلافية ولم يتم معارضة عزوفهم عن المشاركة في القتال بل عادوا إلى حياتهم الطبيعية وشارك بعضهم في الحياة السياسية وتزعموا الأحزاب ووصلوا إلى الحكم.
و رغم ان قياس الحال على التجارب السابقة لا يستقيم لاختلاف السياقات و المآلات فإن راهنية المأزق تكمن في تسييس القضية وانقسام النخبة السياسية والحقوقية الى ثلاث مواقف:
- الموقف الأول يفرض العودة بشكل تام ويطالب بسحب الجنسية وتنقيح الدستور
- الموقف الثاني يرحب بالعودة بشكل علني ويطالب بتسوية وفق قانون التوبة
- الموقف الثالث يوجد في المنزلة بين المنزلة ويطالب بمحاكمة العائدين على جرمهم
قانونية المسألة:
النظر من وجهة نظر القانون الى قضية العائدين من مناطق الاقتتال يفضي إلى نقطتين:
من حق المهاجرين أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية ولا تسحب منهم جنسياتهم مهما كانت الحجج.
ضرورة محاسبة المهاجرين على الأفعال الإجرامية التي ارتكبوها والأضرار التي خلفوها لغيرهم.
معالجة دستورية
ربما الموقف المشرف والمخرج اللائق من هذا المأزق يكمن في تنظيم مؤتمر وطني ضمن هيئة دستورية يتم بعثها في الغرض و تقوم بدعوة كل الفاعلين والمعنيين إلى نقاش عمومي وتفاوض عقلاني بغية التوصل إلى تفاهم والانتقال من لحظة الاستشارة حول الموقف إلى زمن التشريك في القرار والاتجاه نحو استعادة زمام المبادرة في القضايا الوطنية وفق منطق إرادة العيش المشترك والمحافظة على السلم الأهلي والاستقرار الديمقراطي وصيانة التعددية وتحقيق الموازنة بين الأمن والحرية وبين المواطنة والسيادة.
اختتام
الغرض من السياسة هي الوقاية قبل استفحال الداء وعدم الاكتفاء بالمعالجة بعد وقوع المصاب وبالتالي يجوز الاشتغال على قيم الإدماج والصفح في مواجهة التطرف والغلو اذا كان الرهان يتجه نحو القضاء على ذهنية الإرهاب وأفعال الإجرام في منابتها الروحية ومحاربة التسلط والشمولية في جذورها الأولى.